الكافي: بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "القرآن عَهْدُ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ
المُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ وَأنْ يَقْرَأَ مِنْه فِي كُلِّ يَوْمٍ
خَمْسِينَ ايَةً".
وبإسناده عن الزُّهريِّ قالَ: سَمِعْتُ عَليَّ بن الحسينِ
عليهما السلام يَقولُ: "آياتُ القُرْانِ خَزَائِنُ فَكُلَّمَا فُتِحَتْ
خَزِينَةٌ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْظُرَ فِيهَ".
والمستفاد من هذين الحديثين أنه حريّ بقرّاء القران
التدبّر في آياته والتفكّر في معانيه، وأن التمعّن والتأمل في الايات الكريمة
الإلهية، واستيعاب المعارف والحِكَم والتوحيد من القران العظيم، لا يكون من
التفسير بالرأي المنهي عنه الذي يلتجأ إليه أصحاب الرأي والأهواء الفاسدة، الذين لا يتمسكون برأي أهل
بيت الوحي، المخاطبين بالكلام الإلهي، كما ثبت ذلك في محلّه. ولا داعي للولوج في
هذا الموضوع والإسهاب فيه. ويكفينا قوله تعالى: "أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ
القُرْانَ أَمْ عَلَى قُلوبٍ أَقْفَالها".
ووردت أحاديث كثيرة تأمرنا بالرجوع إلى القران والتعمّق
في آياته. فقد نقل عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "أَلاَ لاَ
خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْس فِيهَا تَدَبُّرٌ".
وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: قالَ رسول الله
صلى الله عليه وآله: "مَنْ قَرَأَ عَشْرَ اياتٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ
مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأ خَمْسِينَ ايَةً كُتِبَ مِنَ الذّاكِرِينَ،
وَمَنْ قَرَأ مَائَةَ ايَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَرَأَ مائتي ايَةٍ
كُتِبَ مِنَ الخَاشِعِينَ، وَمَنْ قَرَأَ ثَلاَثْمَائَةِ ايَةٍ كُتِبَ مِنَ
الفَائِزِينَ، وَمَنْ قَرَأ خَمْسَمِائَةِ ايَةٍ كُتِبَ مِنَ المُجْتَهِدِينَ،
وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَ ايَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنْ بِرٍّ، القِنْطَارُ
خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ مِثْقَالٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَالمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ
وَعِشْرُونَ قِيراطاً أَصْغَرُهَا مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وَأَكْبَرُهَا مَا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ".
وجاء في الأحاديث الكثيرة أن قراءة القران تتمثّل في
صورة بهيّة جميلة تشفع لأهله وقرّائه. وقد أعرضنا عن ذكرها.
وفي الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
"مَنْ قَرَأَ القُرْأنَ وَهُوَ شَابٌّ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ القُرْانُ
بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَجَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ السَّفَرَةِ
الكِرَامِ البَرَرَةِ وَكَانَ القُرْانُ حَجِيزاً عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ
يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ كُلَّ عَامِل قَدْ أَصَابَ أَجْرُ عَمَلِهِ غَيْرَ
عَامِلِي فَبَلَّغ بِهِ أَكرَمَ عَطَايَاكَ قَالَ فَيَكْسُوهُ اللَّهُ العَزِيزُ
الجَبَّارُ حُلَّتَيْنِ مِنْ حُلَّلِ الجَنَّةِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ
الكَرَامَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ أَرْضَيْنَاكَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ القُرْانُ
يَا رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْغَبُ لَهُ فِيمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا فَيُعْطِي
الأَمْنَ بِيَمِينِهِ وَالخُلْدَ بِيَسَارِهِ ثُمَّ يَدْخُلُ الجَنَّة فَيُقَالُ
لَهُ إِقْرَأ وَاصْعَدْ دَرَجَةً ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَغَنَا بِهِ
وَأَرْضَيْنَاكَ فَيَقُولُ نَعَمْ".
وفي نفس الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام
"وَمَنْ قَرَأَهُ كَثِيراً وَتَعَاهَدَهُ بِمَشَقَّةٍ مِنْ شِدَّةِ حِفْظِهِ
أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أَجْرَ هذَا مَرَّتَيْنِ".
ويتبين من هذا الحديث الشريف أن المطلوب من تلاوة القران
الكريم هو تأثيره في أعماق قلب الإنسان، وصيرورة باطنه صورة كلام الله المجيد،
وتحويل ما هو ملكة القلب من القران الكريم إلى التحقق والفعلية وذلك حسب ما ورد في
الحديث المذكور "مَنْ قَرَأَ القُرْانَ وَهُوَ شَابٌ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ
القُرْانُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ" حيث يكون كناية عن استقرار صورة القرآن في
فؤاده، بدرجة يتحول باطن الإنسان حسب استعداده وأهليته، إلى كلام الله المجيد
والقران الكريم.
من كتاب القرآن في فكر الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق