ولما شعر موسى(عليه السلام) بدنّو أجله، نظر في أمور قومه، فأحسن تنظيم أوضاعهم، خاتماً فيهم رسالته ناظراً بعين الغيب إلى نبيٍّ جديد، يرسله الله إلى أهل مكة ومن حولها فيخرجهم من الظلمات الى النور!..
ثم غادرهم، وهم عنه غافلون، تجرّهُ قدماه في عمق الصحراء، وخيالهُ يلتهب بذكريات، وما أكثرها.. ومعظمها لاسع كالجمر المتّقد. وفيها كل غريب وطريف، فهي لاتبرح خياله أبداً.
وإن نسي، فلن ينسى منها ثلاثاً:
- الأولى: قصته مع الخضر:
وسبب ذلك، أن نفس موسى حدّثته يوماً بأنه أعلم من على وجه الأرض، إنساناً! فصدّقها، وجاراها في دعواها. أليس هو نبيّ الله، وكليمه، ورسوله. فمن أقرب إلى الله من موسى؟.
فاوحى الله تعالى إليه: إنّ من عبادي من هو أوسعُ منك إحاطةً، وعلماً!..
ويسأل موسى ربّه مستغرباً، من هو ياسيّداه؟
فيجاب: أنه عبدي الصالح، عند (مجمع البحرين).
فيشدُّ إليه موسى عصا الترحال، يبتغي مقابلته، والتعلُّم منه. وقد اصطحب معه فتاه، ويجتمع موسى بالعبد الصالح هذا،.. ويرى على يديه خوارق ومعجزات لا يستطيع الانسان العاديّ إلاّ إنكارها. وكذلك فعل موسى!..
وفي نهاية المطاف -(كما ورد في سورة الكهف، الآيات: 60-82)- يشرح الخضر لنبي الله موسى حكمة الله من كل ماقام به من تصرفات
. إنّه التأويل لبواطن الأمور، لاتفسير ظاهرها!... ويشعر موسى بضآلة علمهن وهو النبي المجتبى، أمام ما أوتيه العبد الصالح حكمةً وعلماً!..
- الثانية: قصة بقرة بني إسرائيل:
وكان ذلك عند ماقُتل أحد رجالهم، ولم يعرفوا قاتله.
فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة -(كما ورد في سورة البقرة. الآيات: 77-83)- وأخذ بنو إسرائيل يستقصون من نبيّهم موسى عن ماهيتها، وصفاتها، ولونها.. لجاجاً منهم وعناداً! واهتدوا بعد لأيٍ (أي: جهد ومشقة) إليها، ولم يستطيعوا ابتياعها، إلاّ بعد أن دفعوا مبلغاً من الذهب، كبيراً...
يُضاف إلى ذلك جدهم في طلبها، حيرتهم، حتى اهتدوا إليها، بعد شهور طوال، من التفتيش والتنقيب، ولو أنهم آمنوا بالله ورسوله، وسلّموا إليه أمورهم، وتخلّوا عن لجاجهم وعنادهم، لوجدوا في أي بقرة تقع عليها أيديهم، مايفي بالغرض المطلوب!.. ولكنه العناد الحرون، والفطرة على الشقاق والنفاق، وسيّئِ الأخلاق!.
- الثالثة: قصته مع قارون:
وهي الأدهى، والأمرُّ! فقارون، تربطه بنبيّ الله موسى وشائجُ دمٍ، وقربى رحم.
وكان قارون أغنى أغنياء بني إسرائيل. فله من كنوز الذهب ماتنوءُ بحمل مفاتيح خزائنه عصبة من الجمال شديدة القوى، فكفر برسالة موسى، وجاهره العداء، وألَّبَ عليه الأعداء، باذلاً في سبيل ذلك الأصفر الرنان!: (كما تقص علينا سورة القصص. الآيات: 76-83)
وتمنَّى بنو إسرائيل أن يؤتوا مثل ماأوتي قارون، فكأن الله قد أفاض عليه من الذهب نهراً لاينضب. ونسُوا، وهم دائماً ينسون، أنّ رحمة الله خير من كل ذلك وأبقى!
وانتظر بنو إسرائيل قارون، حتى خرج عليهم، يوماً، في زينته، فانبهرت أبصارهم بها، وانشدهت بصائرهم، {إنّ هذا لشئٌ عُجاب!..}. ونسوا كل شئ، فهم مأخوذون بهذه الفخامة من الزينة، والبهرج، يملآن عليهم الأفئدة، والأبصار، والأسماع!..
وبينما هم كذلك، وإذ بزلزالٍ يضرب دار قارون، وإذ بالأرض وكأنها تثور تحت قدميه، فتسيخ، وتخسف بقارون وبداره الأرض، فهو لاينفك متغلغلاً في باطنها كل يوم قامةً، إلى يوم القيامة، فاعتبروا ياأولي الألباب!.. وما أكثر العبر في بني إسرائيل، وأقلّ الاعتبار!..
وقد حال الله بين قلوبهم، وثابت الايمان واليقين، فهم في ريبهم، أبداً، يترددون!
وتكلُّ قدما موسى، وقد ضرب (أي: مشى) في عمق الصحراء، بعيداً... ولطالما قطعتا به مفاوز، وأراضي ذات آماد، وأبعاد!، وغرائب الذكريات ماانفك يتلو بعضها بعضاً!.ويتوسد حفنه من رمل!..
فقد آن لهذا الجسد المنهك أن يستريح، ولهذه الروح الشريفة أن تنطلق في عالمها العلويِّ الرحب، الشريف، اللطيف!..
ويظهر بعد ذلك في بني إسرائيل نبيٌ جديد. إنه يوشع بنُ نون. وكان من مقرَّبي موسى. فيخرجُ بهذا الجيل الجديد منهم، الفتيِّ، المجاهد، من أرض التيهِ، إلى أرض الميعاد في فلسطين، حيث المدنُ، والمزارعُ، والخيراتُ الحسانُ!..
يوشع بن نون عليه السلام
هو يوشع، وقيل: يشوع، وقيل: ايشوع بن نون بن أفرائيم بن يوسف ابن نبي الله يعقوب عليه السلام، وقيل: هو يوشع بن نون بن اليساناخ بن عمهور بن ليدان بن شويلخ بن أفرائيم بن يوسف ابن نبي الله يعقوب عليه السلام، واسمه من الأسماء العبرية، ومعناه: الله هو الخلاص، ومنهم من وحده مع ذي الكفل، وقيل: هو ابن عم نبي الله هود عليه السلام. هو ابن أخت نبي الله موسى بن عمران عليه السلام ووصيه وخليفته وولي عهده وأحد كتابه.
أحد أنبياء بني إسرائيل، بعث للنبوة بعد وفاة موسى بن عمران عمران عليه السلام
قام بأمر النبوة بعد وفاة موسى الكليم عليه السلام، فعانى الأمرين من بني إسرائيل، فصبر وتحمل المشاق حتى انكسرت شوكة بني إسرائيل بعد هلاك ثلاثة من طواغيتهم، فعند ذاك أظهر أمره، فهابته الجبابرة والملوك.
خرج عليه رجلان منافقان من بني إسرائيل تساندهما صفيراء بنت شعيب زوجة نبي الله موسى عليه السلام، وتبعتهم مائة ألف مقاتل من بني إسرائيل، فشنوا الحرب على يوشع عليه السلام، وبعد معارك عديدة انكسر جيش المنافقين، وقتل منهم فلق كثير، ولاذ الباقون بالفرار، وأسرت صفيراء، ولكن يوشع عليه السلام عفا عنها وأطلق سراحها.
وبعد تلك المعارك الدامية، وبعد ستة أشهر من انتصاره على فلول المنافقين تمكن يوشع عليه السلام من أن يحتل مدينة أريحا في الأردن، ويتقدم بجيوشه نحو بيت المقدس.
قام السميدع بن هوبر ملك الشام بهجوم على جيوش يوشع عليه السلام، وبعد معارك عديدة استولى يوشع عليه السلام على بلاد الشام بعد أن قتل السميدع.
يقال: انه ظفر بأكثر من ثلاثين من ملوك الشام.
قام بتوزيع الأرض الفليسطينية على أسباط إسرائيل. له كتاب يعرف بـ"كتاب يوشع" وبعد من أجزاء التوراة، وفيه: أن الشمس في احدى حروب يوشع عليه السلام توقفت عن الحركة، وبذلك تأخر غروبها، فكانت معجزة من معاجز يوشع عليه السلام.
ولم يزل يحكم بني إسرائيل بموجب دساتير التوراة.
توفي في 21 من شهر رمضان على رواية واستخلفه بعد وفاته على إسرائيل كالب بن يوفنا.
القرآن المجيد ويوشع بن نون عليه السلام
أما الآيات التي شملته فهي:
(قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) المائدة 23
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) الكهف 60
(فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا) الكهف 61
(فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) الكهف 62
(قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا الكهف 63
(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا) الكهف 64
(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) الكهف 65
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) الواقعة 10
*موقع هدى القرآن
أحد الأوصياء الثلاثة الذين ردت لهم الشمس:
فقد ورد في الكتب المعتبرة أنّ الشمس ردّت لثلاثة من الأوصياء:
1- ردّها لسليمان بن داود عليهما السلام
2- ردّها ليوشع بن نون عليهما السلام
3- ردّها للإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام في العهد النبوي .
جاء في قصص الأنبياء للثعلبي(16) .
قال : فلمّا انقضت أربعون سنة ومات موسى عليه السلام بعث الله يوشع بن نون نبيّاً، فأخبرهم أنّه نبي الله، وأنّ الله قد أمره بقتال الجبّارين فصدّقوه وبايعوه، فتوجّه ببني إسرائيل إلى أريحاء ومعه تابوت الميثاق، فأحاط بمدينة أريحاء ستة أشهر، فلمّا كان في الشهر السابع نفخوا في قرون وصاحوا صيحة واحدة، فسقط سور المدينة فدخلوها وقاتلوا الجبّارين وهزموهم، وهجموا عليهم وجعلوا يقاتلونهم.
فكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها، وكان القتال يوم الجمعة، فبقي منهم بقية وكادت الشمس أن تغرب وتدخل ليلة السبت، فخشي يوشع أن يعجزوه، فقال: اللّهمّ اردد الشمس عليَّ، أو انّه قال للشمس: إنّكِ في طاعة الله وأنا في طاعة الله، فسأل الشمس أن تقف والقمر أن يقيم حتى ينتقم من أعداء الله قبل غروب الشمس، فردّت له الشمس وزيد له في النهار ساعة واحدة حتى قتلهم أجمعين.
جاء في الحديث عن ابن عباس : قال : قال رسول الله (ص) (( السباق ـ او السبق ـ ثلاثه : فالسابق الى موسى يوشع بن نون ،والسابق الى عيسى ياسين ، والسابق الى محمد علي بن ابي طالب عليه السلام
كان يوشع فتى موسى وقد جاء في الذكر العزيز (واذ قال موسى لفتاه ) سورة الكهف وجاء ايضا ( فلما جاوزا قال لفتاه ) سورة الكهف قيل ان المراد به يوشع بن نون وصي موسى وبه وردت الروايه وقيل : سمي فتى لانه كان يلازمه سفرا وحضرا او لانه كان يخدمه ( تفسير الميزان 13: 338
وهناك تشابه كبير بين الوصيين يوشع بن نون و علي بن أبي طالب عليهم وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام
*المصدر بحار الأنوار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق