الأربعاء، 26 فبراير 2014

مقدمات في التفسير الموضوعي ..الدرس الثاني


إن الاتجاهات الفقهية سارت في الاتجاه الموضوعي بينما الأبحاث التفسيرية سارت في الاتجاه التجزيئي طبعا لم نكن نعني من ذلك أيضا أن البحث الفقهي استنفذ طاقة الاتجاه الموضوعي فالبحث الفقهي اليوم مدعو أيضا إلى أن يستنفذ طاقة هذا الاتجاه الموضوعي أفقيا وعموديا باعتبار أن الاتجاه الموضوعي كما قلنا عبارة عن أن الإنسان يبدأ من الواقع وينتهي إلى الشريعة...

فأن المنهج الموضوعي في التفسير على ضوء ما ذكرناه يكون أوسع أفقا وأرحب وأكثر عطاء باعتبار أن يتقدم خطوة عن التفسير التجزيئي كما أنه قادر على التجدد باستمرار ، على التطور والابداع باستمرار ، باعتبار أن التجربة البشرية تغني هذا التفسير بما تقدمه من مواد.

 ثم هذه المواد تطرح بين يدي القرأن الكريم وهذا هو الطريق الوحيد للحصول على النظريات الأساسية للاسلام وللقرأن إزاء موضوعات الحياة المختلفة .

وقد يقال بأنه ما الضرورة إلى تحصيل هذه النظريات الاساسية ، ما الضرورة إلى أن نفهم نظرية الإسلام في النبوة مثلا بشكل عام أو نفهم نظرية الإسلام في سنن التاريخ أو في التغير الاجتماعي بشكل عام أو أن نفهم سنن الإسلام والأرض ؟ ما الضرورة إلى أن ندرس ونحدد هذه النظريات .

فإننا نجد بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعط هذه النظريات على شكل نظريات محدودة وصيغ عامة ، وإنما أعطى القرآن بهذا الترتيب للمسلمين ، ما الضرورة إلى أن نتعب أنفسنا في سبيل هذه النظريات وتحديدها بعد أن لا حظنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اكتفى باعطاء هذا المجموع ، هذا الشكل المتراكم بهذا الشكل ما الضرورة أن نستحصل هذه النظريات الحقيقة بأنه هناك اليوم ضرورة اساسية لتحديد هذه النظريات ولتحصيل هذه النظريات ولا يمكن أن يفترض الاستغناء عنها.

النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطي هذه النظريات ولكن من خلال التطبيق من خلال المناخ القرآني العام الذي كان بينه في الحياة الإسلامية ، وكان كل فرد مسلم في إطار هذا المناخ ، كان يحمل نظرية ولو فهما اجماليا ارتكازيا لأن المناخ والاطار الروحي والاجتماعي والفكري والتربوي الذي وصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قادرا على أن يعطي النظرة السليمة ، والقدرة السليمة على تقييم المواقع والمواقف والاحداث.

 إذا أردنا أن نقرب هذه الفكرة نقول : قايسوا بين حالتين حالة الإنسان الذي يعيش داخل عرف لغة من اللغات وإنسان يريد أن يعرف أبناء هذه اللغة ، أبناء هذا العرف ، كيف تتمثل اذهأنهم هذه المعاني إلى الالفاظ ، كيف يحددون المعاني من الألفاظ .
هنا توجد حالتين احداهما : أن تأتي بهذا الإنسان وتجعله يعيش في اعماق هذا العرف وفي اعماق هذه اللغة واذا صار كذلك واستمرت به الحياة في اطار هذا العرف وهذه اللغة فترة طويلة من الزمن سوف يتكون لديه الاطار اللغوي ، والعرفي الذي يستطيع من خلاله أن يتحرك ذهنه وفقا لما يريده العرف واللغة منه لأن مدلولات تكون موجودة وجودا اجماليا ارتكازيا في ذهنه ، النظرة السليمة والتفهم السليم للكلمة الصحيحة ، وتمييزها عن الكلمة غير الصحيحة تكون موجودة عنده باعتبار أنه عاش عرف اللغة ووجدانها في ممارساته,

بينما اذا كان الإنسان خارج جناح تلك اللغة وعرفها واردت أن تنشئ في ذهنه القدرة على التمييز اللغوي الصحيح فلا تستطيع التمييز اللغوي حينئذ الا عن طريق الرجوع إلى قواعد تلك اللغة ، وإلى العرف الذي تربى فيه الإنسان لكي تستنتج منه القواعد العامة والنظريات الشاملة.
 ومثاله ما وقع بالنسبة إلى علوم العربية كيف أن ابن اللغة لم يكن بحاجة إلى أن يعلم علوم العربية في البداية لأنه كان يعيش في اعماق عرف اللغة ، لكن بعد أن ابتعد عن تلك الاعماق واختلفت الاجواء وضعفت اللغة ، وتراكمت لغات اخرى أندست إلى داخل حياة هؤلاء ، بدأ هؤلاء بحاجة إلى علم لللغة ، إلى نظريات لللغة لأن الواقع لا يسعفهم بنظرة سليمة فلا بد حينئذ من علم لا بد من نظريات لكي يفكروا ولكي يناقشوا ولكي يتصرفوا لغويا وفقا لتلك القواعد والنظريات هذا المثال مثال تقريبي لأجل توضيح الفكرة.

اذا الصحابة الذين عاشوا في كنف الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم اذا كانوا لم يتلقوا النظريات بصيغ عامة فقد تلقوها تلقيا اجماليا ارتكازيا ، انتقشت في اذهانهم وسرت في افكارهم ، كان المناخ العام الاطار الاجتماعي والروحي والفكري الذي يعيشونه كله كان اطارا مساعدا على تفهم هذه النظريات ولو تفهما اجماليا وعلى توليد المقياس الصحيح في مقام التقييم.

اما حيث لا يوجد ذلك المناخ ، ذلك الاطار اذا تكون الحاجة إلى دراسة لنظريات القرآن الكريم في الإسلام ، تكون حاجة حقيقية ملحة خصوصا مع بروز نظريات عديدة من خلال التفاعل بين إنسان العالم الإسلامي وإنسان العالم الغربي بكل ما يملك من رصيد عظيم ومن ثقافة متنوعة في مختلف مجالات المعرفة البشرية حينما وقع هذا التفاعل بين إنسان العالم الإسلامي وإنسان العالم الغربين، وجد الإنسان المسلم نفسه امام نظريات كثيرة في مختلف مجالات الحياة فكان عليه لكي يحدد موقف الإسلام من هذه النظريات ، كان لا بد وأن يستنطق نصوص الإسلام ، ويتوغل في اعماق هذه النصوص ليصل إلى مواقف الإسلام سلبا وايجاباً لكي يكتشف نظريات الإسلام التي تعالج نفس هذه المواضيع التي عاش بحثها التجارب البشرية الذكية في مختلف مجالات الحياة.

اذن فالتفسير الموضوعي في المقام هو افضل الاتجاهين في التفسير الا أن هذا لا ينبغي أن يكون المقصود منه الاستغناء عن التفسير التجزيئي ، هذه الافضلية لا تعني استبدال اتجاه باتجاه أو طرح التفسير التجزيئي رأسا والاخذ بالتفسير الموضوعي ، وأنما اضافة اتجاه إلى اتجاه لأن التفسير الموضوعي ليس الا خطوة إلى الامام بالنسبة إلى التفسير التجزيئي ولا معنى للاستغناء عن التفسير التجزيئي باتجاه الموضوعي.
وإنما هي مسألة ضم الاتجاه الموضوعي في التفسير إلى الاتجاه التجزيئي في التفسير ، يعني افتراض خطوتين خطوة هي التفسير التجزيئي وخطوة أخرى هي التفسير الموضوعي.



         من دروس السيد محمد باقر الصدر "مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن .                                                  

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

صموئيل النبي (ع)


صموئيل النبي (ع)

وأتى بنو إسرائيل نبياً لهم، وعبداً من عباد الله الصالحين، اسمه "صموئيل" وشكوا إليه، متبرِّمين، ما يلاقون من مرارة الهوان، وتمزق الشمل والخذلان، وظهور أعدائهم عليهم ( أي: تفوُّقهم).

وهز "صموئيل" رأسه، فهو على وثيق الايمان بأنّ لعصاة الله سوء الدار، وبئس القرار.. وقومُه عصاةٌ فاسقون، مردُوا على الكفر والنِّفاق، فالله مجازيهم بما كسبت أيديهم وبما كانوا أنفُسهم يظلمون. وقال لهم بصوتٍ عميقٍ، وهو يتطلّع إلى آفاق السماء:
- دعوني استخر لكم الله في ماأنتم فاعلون!
وانصرفَ، كلٌ إلى شأنه!..

وأوحى الله إلى نبيه "صموئيل": إني قد اخترتُ "طالوت" ملكاً على بني إسرائيل، ولعلّ "صموئيل" لم يكن قد سمع بهذا الاسم من قبل.. فمن "طالوت" هذا؟.. وكيف الوصول إليه؟..

فأوحى إليه الله عزّوجلّ: لاعليكَ يا "صموئيل"، فطالوتُ آتٍ إليك عمّا قريب. إنه عبدٌ من عبادي الصالحين، قد آتيتهُ بسطةً من الجسم والعلم.. وبه يتمُّ صلاحُ أمر بني إسرائيل.

"طالوت" و"صموئيل" 

"طالوت" في قرية من قرى الوادي، يُشرفُ على أغنامٍ وأُتُنٍ (جمع أتان: أنثى الحمار) يرعاها، فتنمو عدداً - ويتعهّد الأرض: رياً، وفلاحةً، وزراعةً، فيجني منها وافرَ المحاصيل.

وبينما كان يرعى قطيعاً، أخذتهُ سنةٌ من الكرى، فغفا ساعةً أو بعض ساعةٍ، ولما استفاق، طلبَ أُتُنهُ فلم يجدها، فسأل غلامه عنها. وإذا به، مثله، لايعلمُ عنها شيئاً، فنهضا، وتوجّها إلى أرض وعرةٍ ذات عشب وكلأ وشجر، فلعل الأُتن قصدتها.. وتوغَّلا عميقاً في الأرض الوعرة، حتى تورّمت منهما الأقدامُ، دون أن يعثُرا لها على أثر. وأرادا العودة خائبين، بعد أ، لقيا مشقةً وعسراً، على أن يعاودا البحث عنها غداً في المقلب الآخر للوادي. فلعلّها قصدت وعور الشِّعاب!..

ويتوقَّفُ الغلامُ لحظةً، وهو يفرُكُ جبهته، ويتوجَّهُ بالكلام مخاطباً سيِّده "طالوت":
- "سيدي، لعلَّنا لن نجوس خلال هذه الأرض مرةً أخرى. فنحن الآن في أرض "صوف" موطن النبي "صموئيل" الذي يهبِطُ عليه الوحيُ، وتتنزَّلُ الأملاكُ. فهيَّا بنا إلى هذا النبي الكريم، نستوضحه أمر ما افتقدنا من أُتُن، فلعلّ السماء تُنبئُنا بواسطته عن ضالّتنا.. وإلى ذلك كلّه، فلعلّنا نتبرّك بدعائه، ونُحرز رضاهُ.

وارتاح "طالوتُ" إلى هذا الرأي. فلا ضيرَ منه على أي حال!..
ويتوجّه "طالوت" يصحبه غلامُه إلى حيثُ يقيم النبي "صموئيل". ويلتقيان، في طريقهما إليه، فتياتٍ، خرجنَ يستقين الماء، فسألاهُنَّ كيف السبيل إلى لقاء "صموئيل"، فأخبرنهما بأنّ الناس يلاقونه خلف ذيَّاك الجبل، ولعلّه موشكٌ على المجئ.

وفيما هُما كذلك، وإذ بصموئيل بطلعُ عليهما، يشعُّ محيّاهُ بنور النبوّة، وتحفُّ به مهابةُ رسولٍ كريم!..

ونظر كلُّ منهما إلى الآخر.. فأوقع الله في قلب "صموئيل" أنه أمام "طالوت" الموعود.

ولم يتردّدْ "طالوت" في الإبانة عن نفسه، والهدف من مجيئه، فقال:
- "لقد أتيتك، يانبيّ الله، مستوضحاً، مسترشداً، لقد ضاعت لنا أُتُنٌ، ومازلتُ أطلبُها، مع غلامي، منذُ ثلاثة أيام، دون جدوى. وقد أتيناك مسترشدين: فهل إلى العثور عليها، من سبيلٍ؟..
فأجابه صموئيل باطمئنان الواثق:
"أمّا الأُتُن التي أنت في طلبها، فهي في طريقها إلى أبيك، فلا تنشغل بها نفساً، ولاتنزعج بها خاطراً..

وإني أدعوك إلى أمرٍ، ندبَكَ الله إليه (أي: كلَّفك به، ودعاك..)، وهو أمرٌ، وايمَ الله (أي: أقسم بالله) جدُّ جسيمٌ، وخطيرٌ!..

ويُحملِق "طالوت" في وجه صموئيل دهشاً، فإلى مَ يدعوه نبي الله "صموئيل"؟..
- ماالأمر يانبيَّ الله؟
- لقد اختارك الله على بني إسرائيل، ملكاً!..
- أنّى يكون لي ذلك، ومن أكون حتى أنهض بهذا الحمل العظيم، والأمر الجلل الخطير؟ إنني من أبناء "بنيامين" أخمل الأسباط ذكراً، وأوضعهم جاهاً، وأدناهم قدراً، وأقلّهم مالاً، وأبعدهم عن مواطن الحكم والسلطان!..

- لاعليك!.. فليس لأغنياء الناس، ووجهائهم، من النبوة، إلاّ الحظُّ الأقلُ، والنصيبُ الأدنى. وإنّ هذه مشيئةُ الله، أنقلُها إليك،.. فاشكُر الله الذي اصطفاك عليهم جميعاً، واجتباك (أي: اختارك)، واحمد نعماءه على تكليفك بما لاينهضُ به إلاّ رجالُ الله الأخيار، فهيَّا، واصدَع بما أُمِرتَ به!..
وأخذ "صموئيل" بيد"طالوت"، وسارا، وتبعهما الغلام الذي، لدهشته، لم ينبس ببنت شفةٍ.

ووصل الثلاثةُ إلى النادي، حيث يجتمع عليّةُ القوم من بني إسرائيل، وأشراف ساداتهم، فوقف عليهم "صموئيل"، وهو ممسكٌ بيد "طالوت"، وأعلنَ فيهم:
- إن الله قد بعثَ "طالوتَ" ملكاً عليكم، فاسمعوا له، وأطيعوا، وأعّدوا العُدّة لجهاد عدوكم، تفلحوا، وتظفروا إن شاء الله!..

فلووا بأعناقهم، منذهلين!..
فمن يكون "طالوتُ" هذا النكرةُ، بينهم، والسيّئ الحال، يؤمّرهُ الله عليهم، وفيهم كلُّ عظيم الشأن، خطير المُقام؟..
فلا ذكر له، وهو الخاملُ بين بني إسرائيل، ولامال له، وبينهم من بيده كنزٌ من الذهب، لايفنى!..
ولاهو من أبناء "لاوي"، فرع دوحةِ النبوّة السامقة في بني إسرائيل...
ولاهو من غصن "يهودا"، معدن الملك والرياسة والسلطان!..

وأدرك "صموئيل" مايدور في خلدِهم، وما تُحدِّثهم به نفوسُهم، فقال لهم:
- على رسلكم، ياقوم!.. فالسيادةُ لاتحتاجُ إلى نسبٍ، وما عساه يجدي النّسبُ إذا كان صاحبُه أخرق أحمق؟. وماذا يفعل المالُ - على كثرته- مع المتخلّف البليد، والجبان الرعديد؟.. وهذا طالوتُ، اختارهُ الله عليكم، وفضّله على من عداه من بني إسرائيل،. {إنّ الله اصطفاه عليكُم وزادهُ بسطةً في العلم والجسم}. وها هوذا، كماترون، أمامكم، سويُّ الخلق، جميلُه.. صلبُ الجسم، متينُه، يبعثُ على المهابةِ والجلال!..

ألا ترونَ، لو كان مهزولاً، ضعيفاً،.. لاقتحمتهُ إذن، عيونُكم، وازدرتهُ انفسكم..؟ وهو، إلى ذلك، محاربٌ عنيدٌ، وعلى الأعداء جسورٌ، شديدٌ، بصيرٌ بعواقب الأمور، وخبيرٌ بأساليب الحروب، وفوق ذلك كله، فليس الأمرُ مني، ولاهو بيدي.. ولكنّهُ أمرُ الله تعالى، ومشيئَتُه، عزوجلَّ، فهو الذي قد ملّكه عليكم،.. فأطيعوا الله، في أمرِه، وسلِّموا إلى مشيئته نفوسكم راضين،.. فإنني، والله، لكم من الناصحين!..
وكأنّه استمال قلوبهم،.. فأظهروا الإذعان!..

ولكنّهم، مالبثوا أن عادوا إليه يطالبونه بآية يعرفون بها صدق قوله، فيكونون بذلك من المصدّقين، المؤمنين،..

فقال لهم: إنني أعرف خبيئة نفوسكم التي جُبلت على اللّجاج، والعناد، والمكابرة، ونبذ الحق،.. واتّباع سبيل الهوى، وطريق الغيِّ، وسوء الظنِّ بالله، وتكذيب رسله،
{وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
فخرجوا إلى ظاهر المدينة، كما واعدهم "صموئيلُ"، فشاهدوا التابوتَ يتهادى إليهم في الفضاءِ، محمولاً على أكفِ الملائكة، فآمنوا، وبايعوا "طالوت"، وأقرُّوا له بالملك!..

وأظهر "طالوتُ" في ملكه، حزماً وعزماً. فأسرع إلى تجهيز جيشٍ لاتشغلُ أفرادهُ عن الحرب شواغلُ الدنيا، والتهالُكُ على حُطامها، وسار بهم لقتال الأعداء. وبينما هم، في طريقهم إلى الحرب، مرّوا على نهرٍ، وقد تلظّت أكبادُهُم عطشاً، فقال لهم طالوتُ:
- {إنّ الله مُبتليكُم بنهرٍ فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمهُ فإنّهُ منّي إلا من اغترف غُرفةً بيده}

وشدّد عليهم بألاّ ينهلنَّ منه أحدٌ إلاّ بمقدار رشفات يبرّد بها كبدهُ الحرّى.
ولكنّ معظمهم لم يلتفتوا إلى طلب "طالوت" فأسلموا أنفسهم إلى هواها، فعبُّوا من ماء النهر الجاري حتى الارتواء، بينما ترشّف القليلُ منهم من الماء رشفاتٍ نزيرةٍ (أي:قليلة) برّد بها غليله.

ولمّا أشرفوا على أعدائهم، وجدوا فيهم قوّة عدةٍ وكثرة عدد، وقائدهم "جالوت" يجول بينهم ويصولُ، وقد غطّاهُ الحديد من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، على فرسٍ أدهم كأنّه قطعةٌ من ليلٍ حالكٍ، فانقسمَ أصحابُ "طالوت" عندما شاهدوا ذلك إلى فرقتين:
واحدةٍ: أصابها الوهنُ، ودبَّ فيها الضعفُ، فقالوا: {لاطاقة لنا اليومَ بجالوتَ وجُنودِهِ}.

وثانيةٍ: ثبتت على الإيمان، واستحبَّت الجهاد على النُّكول عن الحرب(أي: الانصراف عنها)، موقنةً بأن النصرَ من عند الله، فحثُّوا إخوانهم على الصدق في القتال، والله يفعلُ - بعد ذلك- مايشاءُ، هاتفين بهم {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله؛ والله مع الصَّابرين!..}.

وانطلقت شرارةُ المعركة بالمبارزة!.. فبرز "جالوتُ" بين الصَّفين، فما بارزَهُ فارسٌ، إلاّ وجندلَه صريعاً، حتى تحامتهُ الفرسانُ، وأجحمت عن مبارزته الأقرانُ. وهو على جواده المحمحم صائلٌ جائلُ، وسيفُه يرعُفُ دماً، والقومُ واجمون، مطرقون.



* المصدر : موقع الكفيل

الاثنين، 24 فبراير 2014

معنى الترتيل


ومن آداب قراءة القران الكريم التي تبعث على التأثير في النفس، ويجدر بالقارى‏ء أن يراعيها، هو الترتيل في التلاوة، وهو كما في الحديث عبارة عن الحد الوسط بين السرعة والعجلة من جهة، والتأني والفتور المفرطين الموجبين لتفرّق الكلمات وانتشارها من جهة أخرى.

عن محمَّدِ بن يعقوبَ بإسناده عن عبد اللَّه بن سليمان قالَ: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: "وَرَتِّلْ القُرْانَ تَرْتِيل" قال‏ عليه السلام: قال أميرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام: " تَبَيَّنْهُ تِبْيانا وَلاَ تَهُدَّهُ هَدَّ الشِّعْرِ وَلاَ تَنْثُرْهُ نَثْرَ الرَّمْلِ وَلكِنْ أَفْرِغُوا قُلُوبَكُمُ القَاسِيَةَ وَلاَ يَكُنْ هَمّ‏ُ أَحَدِكُمْ اخِرَ السُّورَةِ "
فالإنسان الذي يريد أن يتلو كلام الله، ويداوي قلبه القاسي، ويشفي أمراضه القلبية من خلال قراءته للكلام الجامع الإلهي.. لا  بد لهذا الإنسان من توفير الأسباب الظاهرية والباطنية والآداب الصورية والمعنوية. أما أمثالنا عندما نقرأ القران بعض الأحيان، فمضافاً إلى أننا نغفل نهائياً عن معاني الآيات الكريمة، وأهدافها السامية وأوامرها ونواهيها ووعظها وزجرها، وكأنّ آيات الجنّة ونعيمها، وآيات جهنم والعذاب الأليم، لا تعنينا، بل نعوذ بالله يكون انتباهنا وتوجّه قلوبنا عند قراءة الكتب القصصية أكثر من توجهنا حين تلاوتنا للآيات المجيدة، مضافاً إلى ذلك فإننا في غفلة حتى عن الآداب الظاهرية لقراءة القران الكريم.

وقد ورد في الأحاديث الشريفة، الأمر بقراءة القران بصوت حزين وجميل، وَعَنْ أَبِي الحَسَنَ عليه السلام قَالَ : "ذَكَرْتُ الصَّوتَ عِنْدُهُ " فَقالَ: " إِنّ‏َ عَلي بنُ الحُسين عليهما السلام كَانَ يَقْرأُ فَرُبّمَا مَرَّ بِهِ المارّ فَصَعِقَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِه، وَأَنّ‏َ الإِمَامَ لَوْ أَظْهَرَ مِنْ ذلِكَ شَيئاً لَمَا احْتَمَلَهُ النَّاسُ مِنْ حُسْنِهِ"  ونحن عندما نريد أن نُري للناس صوتنا الحسن وأنغامه الجميلة، نلتجأ إلى قراءة القران أو الآذان، من دون أن نستهدف تلاوة القران والعمل بهذا الاستحباب.

وعلى كل حال إن مكائد الشيطان وأضاليل النفس الأمارة كثيرة، وغالباً ما يلتبس الحق بالباطل، والحسن بالقبيح، فيجب أن نلوذ بالله سبحانه ونعوذ به من هذه الأَشْرَاكَ والأفخاخ.

 من كتاب القرآن في فكر الإمام الحميني (رضوان الله تعالى عليه)




في التطبيق


من الآداب المهمة لقراءة القرآن التي تنيل الإنسان نتائج كثيرة والاستفادات غير المعدودة هو التطبيق. وكيفيّته أنه حينما يتفكر في كل آية من الآيات الشريفة يطبّق مفادها في حاله ويرفع نقصانه بواسطة هذا التطبيق ويشفي أمراضه به، مثلاً في قصة آدم عليه السلام الشريفة يتفكر أن مطرودية الشيطان عن جناب القدس مع تلك السجدات والعبادات الطويلة لماذا؟ فيطهّر نفسه منه لأن مقام القرب الإلهي مقام المطهّرين، فمع الأوصاف والأخلاق الشيطانية لا يمكن القدوم إلى ذلك الجناب الرفيع. ويستفاد من الآيات الشريفة أن مبدأ عدم سجود إبليس هو رؤية النفس والعجب فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين.. فهذا العجب صار سبباً لحب النفس والاستكبار، وصار سبباً للاستقلال والاستكبار وعصيان الأمر فصار مطروداً عن الجناب ونحن خطبنا الشيطان من أول عمرنا ملعوناً ومطروداً واتصفنا بأوصافه الخبيثة ولم نتفكر في أن ما هو سبب المطرودية عن جناب القدس إذا كان موجوداً في أي شخص، فهو مطرود وليس للشيطان خصوصية، فما كان سبباً لطرده عن جناب القدس يكون مانعاً من أن نتطرّق إليه، وأنا أخاف من أن نكون شركاء إبليس في اللعن الذي نلعنه.

ونتفكر أيضاً في هذه القضية الشريفة ونرى ما هو السّبب لمزيّة ادم وأفضليته على الملائكة، فنتصف نحن أيضاً بمقدار الطاقة بذاك السبب فنرى أن سبب التفضيل هو تعليم الأسماء كما قال تعالى: "وعلّم ادم الأسماء كلّه" والمرتبة العالية من تعليم الأسماء هو التحقق بمقام أسماء الله. كما أن المرتبة العالية من الإحصاء الذي هو في الرواية الشريفة أن لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، هو التحقق بحقيقتها التي تنيل الإنسان إلى جنة الأسماء.

الإنسان يستطيع أن يكون مظهراً لأسماء الله، والاية الكبرى الإلهية بالارتياضات القلبية ويكون وجوده وجوداً ربّانياً ويكون المتصرّف في مملكته يدا الجمال والجلال الإلهي. وفي الحديث ما يقرب من هذا المعنى من أن "روح المؤمن أشدّ اتصالاً بالله تعالى من اتصال شعاع الشمس بها أو بنوره".


وفي الحديث الصحيح [لا يزال يتقرّب إليّ عبدي بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يأخذ بها]. وفي الحديث "عليٌ عين الله ويد الله" إلى غير ذلك.. وفي الحديث "نحن أسماؤه الحسنى" والشواهد العقلية والنقلية في هذا بخصوصه كثيرة.

من كتاب القرآن في فكر الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)

الأربعاء، 12 فبراير 2014

في بيان رفع الموانع والحجب بين المستفيد والقرآن





فإذا علمت الآن عظمة كتاب الله من جميع الجهات المقتضية للعظمة وانفتح طريق استفادة المطالب منه فاللازم على المتعلم والمستفيد من كتاب الله أن يجري أدباً اخر من الآداب المهمة حتى تحصل الاستفادة وهو رفع موانع الاستفادة، ونحن نعبّر عنها بالحجب بين المستفيد والقرآن، وهذه الحجب كثيرة نشير إلى بعضها:

1.       من الحجب العظيمة حجاب رؤية النفس، فيرى المتعلم نفسه بواسطة هذا الحجاب مستغنية أو غير محتاجة للاستفادة وهذا من المكائد الأصيلة المهمة للشيطان حيث أنه يزيّن للإنسان دائماً الكمالات الموهومة ويرضي الإنسان ويقنعه بما فيه ويسقط من عينه كل شي‏ء سوى ما عنده، مثلاً يقنّع أهل التجويد بذاك العلم الجزئي ويزيّنه في أعينهم إلى حدّ يسقط سائر العلوم عن أعينهم ..ويرضي أصحاب الأدب بتلك الصورة بلا لبّ ويمثّل جميع شؤون القرآن فيما هو عندهم، ويشغل أهل التفاسير المتعارفة بوجوه القراءات والآراء المختلفة لأرباب اللغة ووقت النزول وشأن النزول وكون الآيات مكية أو مدنية وتعدادها وتعداد الحروف وأمثال تلك الأمور. ويقنع أهل العلوم أيضاً بعلم فنون الدلالات فقط ووجوه الاحتجاجات وأمثالها حتى أنه يحبس الفيلسوف والحكيم والعارف الاصطلاحي في الغليظ من حجاب الاصطلاحات والمفاهيم وأمثال ذلك. فعلى المستفيد أن يخرق جميع الحجب هذه وينظر إلى القرآن من ورائها، ولا يتوقف في شي‏ء من هذه الحجب ولا يتأخر عن قافلة السالكين ولا يحرم من الدعوات الحلوة الإلهية، ويستفاد عدم الوقوف وعدم القناعة إلى حدّ معين من نفس القرآن.

والإشارة إلى هذا المعنى كثيرة في القصص القرآنية، فموسى الكليم مع ما له من المقام العظيم في النبوّة ما اقتنع بذلك المقام وما توقف في مقام علمه الشامخ، وبمجرد أن لاقى شخصاً كاملاً كالخضر قال له بكل تواضع وخضوع: "هل أتّبعك على أن تُعَلِمنِ ممّا علّمت رشدا" وصار ملازماً لخدمته حتى أخذ منه العلوم التي لا بد من أخذها.

وإبراهيم لم يقتنع بمقام شامخ الإيمان والعلم الخاص للأنبياء فقال: "ربّ أرني كيف تحيي الموتى". فأراد أن يرتقي من الإيمان القلبي إلى مقام الاطمئنان الشهودي وأعظم من ذلك أن الله تبارك وتعالى يأمر نبيّه الخاتم وهو أعرف خلق الله بالكريمة الشريفة "وقل ربّ زدني علم". فهذه الأوامر في الكتاب الإلهي ونقل هذه القصص لأن نتنبّه ونستيقظ من نوم الغفلة.

2.        ومن الحجب: حجاب الآراء الفاسدة والمسالك والمذاهب الباطلة، وهذا قد يكون من سوء استعداد الشخص والأغلب أنه يوجد من التبعية والتقليد. وهذا من الحجب التي حجبتنا بالأخص عن معارف القرآن مثلاً إذا رسخ في قلوبنا اعتقاد بمجرّد الاستماع من الأب أو الأم أو من بعض جهلة أهل المنبر تكون هذه العقيدة حاجبة بيننا وبين الآيات الشريفة الإلهية. فإن وردت آلاف من الآيات والروايات تخالف تلك العقيدة، فإما أن نصرفها عن ظاهرها أو أن لا ننظر فيها نظر الفهم..

يرون معارف الأنبياء والأولياء في ما يختص بذات الحق تعالى وأسمائه وصفاته مساوية لمعارف العوام والنساء فيه، بل يظهر من هؤلاء أحياناً ما هو أعظم من ذلك فيقول أحدهم: أن لفلان عقائد عامية حسنة فيا ليت لنا مثلما له من العقيدة العامية.. وهذا الكلام منه صحيح لأن هذا المسكين الذي يتفوّه بهذا الكلام قد أخرج من يده العقائد العامية ويرى معارف الخواص وأهل الله باطلة، فهذا التمنّي منه عيناً كتمني الكفار. وقد نقل عنهم في الكريمة الإلهية "ويقول الكافر يا ليتني كنت تراب". ونحن إن أردنا أن نذكر الآيات والأخبار في لقاء الله بتفاصيلها حتى تتضح فضاحة هذه العقيدة الفاسدة الناشئة عن الجهل والغرور الشيطاني، فيستلزم ذلك كتاباً على حدة فضلاً من أن نذكر المعارف التي وقعت وراء ستر النسيان بواسطة هذا الحجاب الغليظ حتى يعلم أن أحد مراتب المهجورية من القرآن. ومهجورية القرآن ولعلّ الأسف عليها أشدّ هو هذه كما يقول تعالى في الكريمة الشريفة: "وقال الرسول يا ربّ‏ِ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا".

إن مهجورية القرآن لها مراتب كثيرة ومنازل لا تحصى، ولعلنا متصفون بالعمدة منها. أترى أننا إذا جلّدنا هذه الصحيفة الإلهية جلداً نظيفاً وقيّماً وعند قراءتها أو الاستخارة بها قبّلناها ووضعناها على أعيننا ما اتخذناه مهجوراً؟ أترى إذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده وجهاته اللغوية والبيانية والبديعية قد أخرجنا هذا الكتاب الشريف عن المهجورية؟ هل أننا إذا تعلّمنا القراءات المختلفة وأمثالها قد تخلّصنا من عار هجران القرآن؟ هل أننا إذا تعلمنا وجوه إعجاز القرآن وفنون محسّناته قد تخلّصنا من شكوى رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ هيهات.. فإنه ليس شي‏ء من هذه الأمور مورداً لنظر القرآن ومنزّلها العظيم الشأن، إن القرآن كتاب إلهي وفيه الشؤون الإلهية. القرآن هو الحبل المتصل بين الخالق والمخلوق ولا بد أن يوجد الربط المعنوي والارتباط الغيبي بتعليماته بين عباد الله ومربّيهم، ولا بد أن يحصل من القرآن العلوم الإلهية والمعارف اللدنيّة، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال حسب ما رواه الكافي "إنما العلم ثلاثة: اية محكمة وفريضة عادلة وسنّة قائمة". فالقرآن الشريف حامل لهذه العلوم فإن تعلمنا من القرآن هذه العلوم فما اتّخذناه مهجوراً، وإذا قبلنا دعوات القرآن وأخذنا التعليمات من قصص الأنبياء المشحونة بالمواعظ والمعارف والحكم، إذا اتعظنا نحن من مواعظ الله تعالى ومواعظ الأنبياء والحكماء المذكورة في القرآن فما اتّخذناه مهجوراً، وإلا الغور في الصورة الظاهرية للقرآن أيضاً إخلاد إلى الأرض ومن وساوس الشيطان ولا بد من الاستعاذة بالله منها.

3.          ومن الحجب المانعة من الاستفادة من هذه الصحيفة النورانية: الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلا بما كتبه المفسّرون أو فهموه. وقد اشتبه على الناس التفكر والتدبّر في الآيات الشريفة بالتفسير بالرأي الممنوع، وبواسطة هذا الرأي الفاسد والعقيدة الباطلة جعلوا القرآن عارياً من جميع فنون الاستفادة واتخذوه مهجوراً بالكلية في حال أن الاستفادات الأخلاقية والإيمانية والعرفانية لا ربط لها بالتفسير، فكيف بالتفسير بالرأي،

        فمثلاً إذا استفاد أحد من كيفية مذاكرات موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام وكيفية معاشرتهما وشد موسى عليه السلام رحاله إليه مع ما له من عظمة مقام النبوّة لأخذ العلم الذي ليس موجوداً عنده وكيفية عرض حاجته إلى الخضر كما ذكرت في الكريمة الشريفة: "هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا". وكيفية جواب الخضر والاعتذارات التي وقعت من موسى عظمة مقام العلم وآداب سلوك المتعلم مع المعلّم ولعلها تبلغ من الآيات المذكورة إلى عشرين أدباً فأي ربط لهذه الاستفادات بالتفسير فضلاً من أن تكون تفسيراً بالرأي والاستفادة من هذا القبيل في القرآن كثيرة.

 ففي المعارف مثلاً إذا استفاد أحد من قوله تعالى "الحمد لله رب العالمين" الذي حصر جميع المحامد لله، وخصّ جميع الأثنية للحق تعالى التوحيد الأفعالي وقال بأنه يستفاد من الآية الشريفة أن كل كمال وجمال وكلّ عزّة وجلال الموجودة في العالم وتنسبها العين الحولاء والقلب المحجوب إلى الموجودات من الحق تعالى وليس لموجود من قبل نفسه شي‏ء،ولذا المحمدة والثناء خاص بالحق ولا يشاركه فيها أحد، فأيّ ربط لهذا إلى التفسير حتى يسمّى بالتفسير بالرأي أو لا يسمى؟

 إلى غير ذلك من الأمور التي تستفاد من لوازم الكلام ولا ربط لها بوجه إلى التفسير،مضافاً إلى أن في التفسير بالرأي أيضاً كلام لعلّه غير مربوط بآيات المعارف والعلوم العقلية التي توافق الموازين البرهانية وبالآيات الأخلاقية التي فيها للعقل دخل، لأن التفاسير التي من هذا القبيل مطابقة للبرهان المتين العقلي أو الاعتبارات العقلية الواضحة، فإذا كان ظاهر الكلام على خلافها فاللازم أن يصرف الكلام من ظاهره، مثلاً في كريمة "وجاء ربك" و"الرحمن على العرش استوى". التي يكون الفهم العرفي فيها مخالفاً للبرهان .. كما أن أكثر الروايات في هذا الباب وردت في مقابل علماء العامة الذين كانوا يريدون أن يفهموا دين الله بعقولهم ومقايساتهم، وما في بعض الروايات الشريفة من أنه ليس شي‏ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن .. فمن غرائب الأمور بل من المصيبات التي لا بد أن يستعاذ بالله منها. ولا يحتاج هذا الكلام إلى التهجين والتوهين وإلى الله المشتكى.

4.          ومن الحجب المانعة من فهم القرآن الشريف، ومن الاستفادة من معارف هذا الكتاب السماوي ومواعظه حجاب المعاصي والكدورات الحاصلة من الطغيان والعصيان بالنسبة إلى ساحة رب العالمين المقدسة، فتحجب القلب عن إدراك الحقائق.

وليعلم كما أن لكل عمل من الأعمال الصالحة أو السيئة كما أن له صورة في عالم الملكوت تتناسب معه فله صورة أيضاً في ملكوت النفس، فتحصل بواسطتها في ملكوت النفس: أمّا النورانية ويكون القلب مطهّراً ومنوّراً وفي هذه الحالة تكون النفس كالمرآة المصقولة صافية، ويليق للتجليات الغيبية وظهور الحقائق والمعارف فيه، وأما أن يصير ملكوت النفس به ظلمانية وخبيثة، وفي هذه الصورة يكون القلب كالمرآة المريّنة والمدنّسة لا تنعكس فيها المعارف الإلهية ولا الحقائق الغيبية، وحيث أن القلب في هذه الحالة يقع بالتدريج تحت سلطة الشيطان ويكون المتصرف في مملكة الروح إبليس فيقع السمع والبصر وسائر القوى أيضاً في تصرف ذاك الخبيث، وينسد السمع بالكلية عن المعارف والمواعظ الإلهية، ولا ترى العين الآيات الباهرة الإلهية وتعمي عن الحق وآثاره وآياته ولا يتفقّه القلب في الدين ويحرم من التفكر في الآيات والبيّنات وتذكر الحق والأسماء والصفات.  كما قال الحق تعالى "لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ"..

5.        ومن الحجب الغليظة التي هي ستر صفيق بيننا وبين معارف القرآن ومواعظه: حجاب حبّ الدنيا، فيصرف القلب بواسطته تمام همّته في الدنيا وتكون وجهة القلب تماماً إلى الدنيا ويغفل القلب بواسطة هذه المحبة عن ذكر الله، ويعرض عن الذكر والمذكور، وكلما ازدادت العلاقة بالدنيا وأوضاعها ازداد حجاب القلب وساتره ضخامة، وربما تغلب هذه العلاقة على القلب ويتسلّط سلطان حب الجاه والشرف على القلب بحيث يطفى‏ء نور فطرة الله بالكلّية وتغلق أبواب السعادة على الإنسان، ولعل المراد من إقفال القلوب المذكورة في الآية الشريفة "أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفاله". هذه الأقفال وأغلال العلائق الدنيوية، ومن أراد أن يستفيد من القرآن ويأخذ نصيبه من المواعظ الإلهية لا بدّ وأن يطهّر القلب من هذه الأرجاس، ويزيل لوث المعاصي القلبية وهي الاشتغال بالغير عن القلب لأن غير المطهّر ليس محرماً لهذه الأسرار قال تعالى: "إنه لقران كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهّرون".

فكما أن غير المطهّر الظاهري ممنوع عن ظاهر هذا الكتاب ومسّه في العالم الظاهر تشريعاً وتكليفاً، كذلك ممنوع من معارفه ومواعظه وباطنه وسرّه من كان قلبه متلوثاً بأرجاس التعلّقات الدنيوية، وقال تعالى: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" إلى آخر الآية. فغير المتقي بحسب تقوى العامة وغير المؤمن بحسب إيمان العامة محروم من الأنوار الصورية لمواعظه وعقائده الحقة، وغير المتقي وغير المؤمن بحسب سائر مراتب التقوى وهي تقوى الخاص وتقوى خاص الخاص وتقوى أخصّ الخواص محروم من سائر مراتبها. والتفصيل حول تلك المراتب وذكر سائر الايات الدالة على المقصود موجب للتطويل، ولكن نختتم هذا الفصل بذكر آية شريفة إلهية تكفي لأهل اليقظة بشرط التدبّر، قال تبارك وتعالى: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتّبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم".

فخصوصيات هذه الآية الشريفة كثيرة، والبيان حول نكاتها يستلزم رسالة على حدة ليس الآن مجالها.

من كتاب القرآن في فكر الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)


الاثنين، 10 فبراير 2014

في آداب تلاوة القرآن والإخلاص في القراءة


 

  إن المبتغى من خلال تلاوة القران هو ارتسام صورة القران في القلب، وتأثير الأوامر والنواهي فيه، وتثبيت الأحكام والتعاليم الإلهية. ولا يتحقق هذا إلا في ظل مراعاة آداب القراءة. وليس الهدف من الآداب ما هو المعروف لدى بعض القُرّاء من الاهتمام البالغ بمخارج الألفاظ، وأداء الحروف، هذا الاهتمام الباعث مضافاً إلى الغفلة عن المعاني والتدبر فيها، إلى إبطال التجويد بعض الأحيان.بل الهدف المنشود من وراء آداب قراءة القرآن, تلك الآداب التي وردت في الشريعة المقدسة والتي يعدّ من أفضلها وأعظمها التفكر والتدبر في ايات القران كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

في الكافي الشريف بسنده إلى الإمام الصادق عليه السلام قال "إِنّ‏َ هذَا القُرْانَ فِيهِ مَنَارُ الهُدى وَمَصَابِيحُ الدُّجى، فَلْيَجُلْ جَالٍ بَصَرَهُ وَيَفْتَحْ لِلضِّيَاءِ نَظَرَهُ، فَإِنّ‏َ التَّفَكُّر حَياةُ قَلْبِ البَصِيرِ كَمَا يَمْشِي المُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ"..

وفي المجالس بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلامٍ طويلٍ في وَصْفِ المتَّقِينَ:

"وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ فَاقْشَعَرَّتْ مِنْهَا جُلُودُهُمْ وَوَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فَظَنُّوا أَنّ‏َ صَهِيلَ جَهَنَّمَ وَزَفِيرَهَا وَشَهِيقَهَا فِي أصولِ آذَانِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِايَةٍ فِيهَا تَشْويقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ"..

ومن الواضح أن من يتمعّن ويتدبر في معاني القران الكريم، يتأثر قلبه، ويبلغ مقام المتقين شيئاً فشيئاً. وإن حظي بتوفيق وسداد من الله، لَتجاوز هذا المقام أيضاً ولَتحوّل كل عضو وجارحة وقوة منه إلى آية من الايات الإلهية، ولعلّ جَذَوَاتَ خطاب الله وجذباته، ترفعه وتبلغ به إلى مستوى إدراك حقيقة "اقْرَأ وَاصْعَدْ". في هذا العالم وانتهى إلى مرحلة سماع الكلام من المتكلم من دون واسطة، وتحوّل إلى موجود لا يسع الإنسان فهمه واستيعابه.

الإخلاص في القراءة.

ومن الاداب اللازمة في قراءة القران، والتي لها دور أساسي في التأثير في القلب والتي لا يكون من دونها لأي عمل أهمية وشأن، بل يعتبر ضائعاً وباطلاً وباعثاً على السخط الإلهي.

هو الإخلاص، فإنه ركن أصيل للانطلاق إلى المقامات الأُخروية، ورأس مال في التجارة الأخروية.

وقد ورد في هذا الباب أيضاً أخبار كثيرة من أهل بيت العصمة عليهم السلام: منها ما حدثنا الشيخ الكليني رضوان الله تعالى عليه:

بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: "قُرّاءُ القُرْانِ ثَلاَثَةُ: رَجُلٌ قَرَأَ القرانَ فَاتَّخَذَهُ بِضَاعَةً وَاسْتَدَرَّ بِهِ المُلُوكَ وَاسْتَطَالَ بِهِ عَلَى النَّاسِ. وَرَجُلٌ قَرَأَ القُرْانَ فَحَفِظَ حُرُوفَهُ وَضَيَّعَ حُدُودَهُ وَأَقَامَهُ إِقَامةَ القَدَحِ، فَلاَ كَثَّرَ اللَّهُ هؤُلاَءِ مِنْ حَمَلَةِ القُرْانِ. ورَجُلٌ قَرَأ القُرْانَ فَوَضَعَ دَوَاءَ القُرْانِ عَلَى دَاءِ قَلْبِهِ فَأَسْهَرَ بِهِ لَيْلَهُ وَأَظْمَأَ بِهِ نَهَارَهُ وَقَامَ بِهِ فِي مَسَاجِدِهِ وَتَجَافَى بِهِ عَنْ فِرَاشِهِ، فَبِأُوْلئِكَ يَدْفعُ اللَّهُ العَزِيزُ الجَبَّارُ البَلاَءَ، وَبِأُولئِكَ يُدِيلُ اللَّهُ مِنَ الأَعْدَاءِ، وَبِأُولئِكَ يُنْزِلُ اللَّهُ الغَيْثَ مِنَ السَّمَاءِ، فَوَاللَّهِ لَهؤُلاَءِ فِي قُرّاءِ القُرْانِ أَعَزُّ مِنَ الكِبْرِيتِ الأَحْمَر"..

عن رسول الله صلى الله عليه وآله : "وَمَنْ قَرَأَ القُرْانَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَتَفَقُّهاً فِي الدِّينِ كَانَ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ مِثْلُ جَمِيعِ مَا أُعْطِي المَلاَئِكَةُ وَالأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ".

"وَمَنْ تَعَلَّمَ القُرْانَ وَتَوَاضَعَ فِي العِلْمِ وَعَلَّمَ عِبَادَ اللَّهِ وَهُوَ يُرِيدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ فِي الجَنَّةِ أَعْظَمُ ثَوَاباً مِنْهُ وَلاَ أَعْظَمُ مَنْزِلةً مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي الجَنَّةِ مَنْزِلٌ وَلاَ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ وَلاَ نَفِيسَةٌ إلاَّ وَكَانَ لَهُ فِيهَا أَوْفَرُ النَّصِيبِ وَأَشْرَفُ المَنَازِلِ"..



 من كتاب القرآن في فكر الإمام الخميني (رضوان الله تعلى عليه)  

الجمعة، 7 فبراير 2014

في فضل تلاوة القرآن




 إن من وصايا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الأمر بتلاوة القران "وَعَلَيْكَ بِتَلاَوَةِ القُرْانِ عَلَى كُلّ‏ِ حَال" وإن عقلنا القاصر لا يستوعب فضيلة تلاوة القران وحمله وَتَعَلُّمِهِ والتمسّك به وملازمتَه والتدَّبر في معانيه وأسراره. وما نقل عن أهل بيت العصمة عليه السلام في ذلك أكثر من طاقة هذا الكتاب على استيعابه. ونحن نقتصر على ذكر بعضها.

الكافي: بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "القرآن عَهْدُ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ المُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ وَأنْ يَقْرَأَ مِنْه فِي كُلّ‏ِ يَوْمٍ خَمْسِينَ ايَةً".

وبإسناده عن الزُّهريّ‏ِ قالَ: سَمِعْتُ عَليّ‏َ بن الحسينِ عليهما السلام يَقولُ: "آياتُ القُرْانِ خَزَائِنُ فَكُلَّمَا فُتِحَتْ خَزِينَةٌ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْظُرَ فِيهَ".

والمستفاد من هذين الحديثين أنه حريّ بقرّاء القران التدبّر في آياته والتفكّر في معانيه، وأن التمعّن والتأمل في الايات الكريمة الإلهية، واستيعاب المعارف والحِكَم والتوحيد من القران العظيم، لا يكون من التفسير بالرأي المنهي عنه الذي يلتجأ إليه أصحاب الرأي  والأهواء الفاسدة، الذين لا يتمسكون برأي أهل بيت الوحي، المخاطبين بالكلام الإلهي، كما ثبت ذلك في محلّه. ولا داعي للولوج في هذا الموضوع والإسهاب فيه. ويكفينا قوله تعالى: "أفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْانَ أَمْ عَلَى قُلوبٍ أَقْفَالها".

ووردت أحاديث كثيرة تأمرنا بالرجوع إلى القران والتعمّق في آياته. فقد نقل عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْس فِيهَا تَدَبُّرٌ".

وبإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وآله: "مَنْ قَرَأَ عَشْرَ اياتٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأ خَمْسِينَ ايَةً كُتِبَ مِنَ الذّاكِرِينَ، وَمَنْ قَرَأ مَائَةَ ايَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَرَأَ مائتي ايَةٍ كُتِبَ مِنَ الخَاشِعِينَ، وَمَنْ قَرَأَ ثَلاَثْمَائَةِ ايَةٍ كُتِبَ مِنَ الفَائِزِينَ، وَمَنْ قَرَأ خَمْسَمِائَةِ ايَةٍ كُتِبَ مِنَ المُجْتَهِدِينَ، وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَ ايَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنْ بِرٍّ، القِنْطَارُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ مِثْقَالٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَالمِثْقَالُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيراطاً أَصْغَرُهَا مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ وَأَكْبَرُهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ".

وجاء في الأحاديث الكثيرة أن قراءة القران تتمثّل في صورة بهيّة جميلة تشفع لأهله وقرّائه. وقد أعرضنا عن ذكرها.

وفي الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: "مَنْ قَرَأَ القُرْأنَ وَهُوَ شَابّ‏ٌ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ القُرْانُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَجَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ‏َ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ وَكَانَ القُرْانُ حَجِيزاً عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبّ‏ِ إِنّ‏َ كُلّ‏َ عَامِل قَدْ أَصَابَ أَجْرُ عَمَلِهِ غَيْرَ عَامِلِي فَبَلَّغ بِهِ أَكرَمَ عَطَايَاكَ قَالَ فَيَكْسُوهُ اللَّهُ العَزِيزُ الجَبَّارُ حُلَّتَيْنِ مِنْ حُلَّلِ الجَنَّةِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الكَرَامَةِ، ثُمّ‏َ يُقَالُ لَهُ هَلْ أَرْضَيْنَاكَ فِيهِ؟ فَيَقُولُ القُرْانُ يَا رَبّ‏ِ قَدْ كُنْتُ أَرْغَبُ لَهُ فِيمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا فَيُعْطِي الأَمْنَ بِيَمِينِهِ وَالخُلْدَ بِيَسَارِهِ ثُمّ‏َ يَدْخُلُ الجَنَّة فَيُقَالُ لَهُ إِقْرَأ وَاصْعَدْ دَرَجَةً ثُمّ‏َ يُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَغَنَا بِهِ وَأَرْضَيْنَاكَ فَيَقُولُ نَعَمْ".

وفي نفس الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام "وَمَنْ قَرَأَهُ كَثِيراً وَتَعَاهَدَهُ بِمَشَقَّةٍ مِنْ شِدَّةِ حِفْظِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلّ‏َ أَجْرَ هذَا مَرَّتَيْنِ".

ويتبين من هذا الحديث الشريف أن المطلوب من تلاوة القران الكريم هو تأثيره في أعماق قلب الإنسان، وصيرورة باطنه صورة كلام الله المجيد، وتحويل ما هو ملكة القلب من القران الكريم إلى التحقق والفعلية وذلك حسب ما ورد في الحديث المذكور "مَنْ قَرَأَ القُرْانَ وَهُوَ شَابٌ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ القُرْانُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ" حيث يكون كناية عن استقرار صورة القرآن في فؤاده، بدرجة يتحول باطن الإنسان حسب استعداده وأهليته، إلى كلام الله المجيد والقران الكريم.

من كتاب القرآن في فكر الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)