قلنا أن خط علاقات
الانسان مع الطبيعة مختلف مشكلة وقانونا عن خط علاقات الانسان مع أخيه الانسان ،
وذكرنا أن هذين الخطين كل واحد منهما مستقل استقلالا نسبيا عن الخط الاخر لكن هذا
الاستقلال النسبي لا ينفي التفاعل والتأثير المتبادل الى حد ما بين هذين الخطين ،
فلكل منهما لون من التاثير الطردي أو العكسي على الخط الاخر وهذا التأثير المتبادل
بين الخطين يمكن ابرازه ضمن علاقتين قرآنيتين بين هذين الخطين، العلاقة الاولى
تبرز مدى تأثير خط علاقات الانسان مع الطبيعة على خط علاقات الانسان مع أخيه الانسان
والعلاقة القرآنية الثانية تبرز من الجانب الاخر مدى تأثير علاقات الانسان مع أخيه
الانسان على علاقات الانسان مع الطبيعة.
أما العلاقة الاولى التي تبرز تأثير
علاقات الانسان مع الطبيعة على الخط الآخر فمؤدى هذه
العلاقة هو أنه كما نمت قدرة الانسان على الطبيعة واتسعت سيطرته عليها وازداد
اغتناءا بكنوزها ووسائل انتاجها ، تحققت بذلك امكانية اكبر فاكبر للاستغلال على خط
علاقات الانسان مع أخيه الانسان « كلا إن الانسان ليطغى، أن رآه استغنى » (سورة الفلق/6-7) هذه الآية
الكريمة تشير الى هذه العلاقة الى أن الانسانية بقدر ما تتمكن وتستقطب الطبيعة
وتتوصل الى وسائل انتاج أقوى وأدوات توليد أوسع تكون انعكاسات ذلك على حقل علاقات
الانسان مع أخيه الانسان ، انعكاساته على شكل امكانيات واغراءات وفتح الشهية
للاقوياء لكي يستثمروا أداة الانتاج في سبيل استغلال الضعفاء.
تصوروا مجتمعا يعيش
على الصيد باليد والحجارة والهراوة ، مثل هذا المجتمع لا يتمكن من أن يمارس بذور
الاقوياء ، بذور الوحوش فيه لا يتمكنون على الاغلب من أن يمارسوا أدوارا خطيرة من
الاستغلال الاجتماعي لان مستوى الانتاج محدود والقدرة محدودة وكل انسان لا يكسب
عادة بعرق جبينه الا قوت يومه فلا توجد امكانية الاستغلال بشكله الاجتماعي الواسع
وان كان توجد ألوان اخرى من الاستغلال الفردي ولكن لاحظوا من الجانب الاخر مجتمعا متطورا استطاع
الانسان فيه أن يصنع الآلة البخارية والآلة الكهربائية استطاع فيه أن يخضع الطبيعة
لارادته في مثل هذا المجتمع سوف تكون الالة البخارية والآلة الكهربائية المعقدة
المتطورة الصنع تكون أداة، امكانية على ساحة علاقات الانسان مع اخيه الانسان تشكل
بحسب مصطلح الفلاسفة ما بالقوة للاستغلال ويبقى ان يخرج ما بالقوة الى ما بالفعل
وذلك على عهدة الانسان ودوره التاريخي على الساحة الاجتماعية ، فالانسان هو الذي
يصنع الاستغلال ، هو الذي يفرز النظام الرأسمالي المستغل حينما يجد الآلة البخارية
والكهربائية ، ولكن الآلة البخارية والكهربائية هي التي تعطيه امكانية هذا
الاستغلال ، هي التي تهيىء له فرصة تفتح شهيته ، توقظ مشاعره ، تحرك جدله الداخلي
وتناقضه الداخلي من اجل أن يبرز صيغة تتناسب مع ما يوجد على الساحة من قوى الانتاج
ووسائل التوريد ، وهذا هو الفرق بيننا وبين المادية التاريخية ، المادية التاريخية
اعتقدت بأن الآلة هي التي تصنع الاستغلال ، هي التي تصنع النظام المتناسب لها
ولكننا نحن لا نرى ان دور الآلة هو دور الصانع ، وانما دور الآلة هو دور الامكانية
، دور توفير الفرصة والقابلية وأما الصانع الذي يتصرف ايجابا وسلبا،أمانة وخيانة، صمودا
وانهيارا، إنما هو الانسان وفقا لمحتواه الداخلي لمثله الاعلى لمدى التحامة مع
هذا المثل الاعلى.هذه هي العلاقة الاولى.
وأما العلاقة القرآنية الثانية التي تمثل
وتجسد تأثير علاقات الانسان مع الطبيعة ، فمؤدى هذه العلاقة القرآنية هو أنه كلما
جسدت علاقات الانسان مع اخيه الانسان العدالة وكلما استطاعت ان تستوعب قيم هذه
العدالة وان تبتعد عن أي لون من ألوان الظلم والاستغلال من الانسان لاخيه الانسان
، كلما وقع ذلك ازدهرت علاقات الانسان مع الطبيعة وتفتحت الطبيعة عن كنوزها وأعطت
المخبوء من ثرواتها ونزلت البركات من السماء وتفجرت الارض بالنعمة والرخاء ، هذه
العلاقة القرآنية هي العلاقة التي شرحها القرآن الكريم في نصوص عديدة قال سبحانه
وتعالى:
« وألوا استقاموا على
الطريقة لأسقيناهم ماءا غدقا » (الجن/16)
«ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من
فوقهم ومن تحت أرجلهم » (المائدة/66)
« ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء
والارض ، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون » (الأعراف/96)
هذه العلاقة مؤداها ان علاقات الانسان مع الطبيعة تتناسب
عكسيا مع ازدهار العدالة في علاقات الانسان مع اخيه الانسان فكلما ازدهرت العدالة
في علاقات الانسان مع اخيه الانسان اكثر فأكثر ازدهرت علاقات الانسان مع الطبيعة ،
وكلما أنحسرت العدالة عن الخط الاول انحسر الازدهار عن الخط الثاني ، أي ان مجتمع
العدل هو الذي يصنع الازدهار في علاقات الانسان مع الطبيعة ومجتمع الظلم هو الذي
يؤدي الى انحسار تلك العلاقات ، علاقات الانسان مع الطبيعة ، وهذه العلاقة ليست
ذات محتوى غيبي فقط ، نعم نحن نؤمن أيضا بمحتواها الغيبي ولكن اضافة الى محتواها الغيبي
الرباني هي تشكل سنة من سنن التاريخ بحسب مفهوم القرآن الكريم وذلك لان مجتمع
الظلم ، مجتمع الفراعنة على مر التاريخ مجتمع ممزق ، مشتت ، الفرعونية على مر
التاريخ حينما تتحكم في علاقات الانسان مع اخيه الانسان تستهدف تمزيق طاقات
المجتمع ، وتشتيت فئاته ، وبعثرة امكانياته ، ومن الواضح أنه تشتيت وبعثرة وتفتيت
وتجزئة من هذا القبيل لا يمكن لافراد المجتمع ان يحشدوا قواهم الحقيقية والسيطرة
على الطبيعة وهذا هو الفرق بين المثل العليا المنخفضة
الفرعونية وبين المثل الاعلى الحق مثل التوحيد سبحانه وتعالى ، فان المثل الاعلى
يوحد الجامعة البشرية ويلغي كل الفوارق والحدود باعتبار شمولية هذا المثل الاعلى
باعتبار شموليته فهو يستوعب كل الحدود وكل الفوارق ، يهضم كل الاختلافات ، يصهر
البشرية كلها في وحدة متكافئة ، لا يوجد ما يميز بعضها عن بعض ، لا من دم ولا من
جنس ولا من قومية ولا من حدود جغرافية أو طبقية.
المثل الاعلى بشموليته يوحد
البشرية ولكن المثل العليا المنخفضة تجزيء البشرية وتشتت البشرية انظروا الى المثل
الاعلى كيف يقول
« وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون » (الأنبياء/92)
« إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون » (المؤمنون/52)
هذا هو منطق شمولية المثل الاعلى التي لا تعترف بحد وبحاجز
في داخل هذه الاسرة البشرية انظروا ، استمعوا الى المثل المنخفض ، الى مجتمع الظلم
وآلهة مجتمع الظلم كيف يقولون ، أو كيف يتحدث عنهم القرآن الكريم « إن فرعون علا في
الأرض وجعل أهلها شيعا » (القصص/4)
فرعون المثل الاعلى المنخفض، الفرعونية على مر
التاريخ التي تبني العلاقات بين الانسان وأخيه الانسان على أساس الظلم والاستغلال ،
الفرعونية تجزيء المجتمع ، تبعثر امكانيات المجتمع ، وطاقات المجتمع ومن هنا تهدر
ما في الانسان من قدرة على الابداع والنمو الطبيعي على ساحة علاقات الانسان مع
الطبيعة ، وعملية التجزئة الفرعونية للمجتمع تقسم المجتمع الى فصائل وجماعات
الجماعة الاولى ظالمون مستضعفون ، هذه الجماعة الاولى في التقسيم الفرعوني هم
الظالمون المستضعفون في نفس الوقت الظالمون الثانويون أو بحسب تعبير أئمتنا عليهم
الصلاة والسلام «أعوان الظلمة» هؤلاء الظالمون المستضعفون يشكلون حماية
لفرعون وللفرعونية وسندا في المجتمع لبقاء الفرعونية واستمرار وجودها واطارها.
قال
الله سبحانه وتعالى « إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول ، يقول
الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين » (سبأ/31). هنا القرآن يتحدث عن
الظالمين يقول « اذ الظالمون موقوفون »
لكن الظالمين صنفهم الى قسمين : الى من
استضعفت منهم ومن استكبر منهم. إذن فالظالمون فيهم مستكبرون وهم الذين يمثلون
الفرعونية في المجتمع وفيهم مستضعفون ، فالطائفة
الاولى اذن في التجزئة الفرعونية لمجتمع الظلم هم الظالمون المستضعفون هؤلاء الذين
يحشرون يوم القيامة في زمرة الظالمين ثم يقولون للمستكبرين من الظالمين لولا انتم
لكنا مؤمنين ، هذه هي الطائفة الاولى التي تشكل الحماية والسند للفرعونية.
الطائفة
الثانية في عملية التمزقة الفرعونية لمجتمع الظلم ظالمون يشكلون حاشية ومتملقين ،
اولئك الذين قد لا يمارسون ظلما بأيديهم بالفعل ولكنهم دائما وابدا على مستوى
نزوات فرعون وشهوات فرعون ورغبات فرعون يسبقونه بالقول من أجل ان يصححوا مسلكه
ومسيرته. قال الله سبحانه وتعالى « وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض
ويذرك وآلهتك ، قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون » (الرعد/127) ، شكلوا دور
الاثارة لفرعون ، هؤلاء كانوا يعرفون انهم بهذا الكلام يضربون على الوتر الحساس في
قلب فرعون ، وان فرعون كان بحاجة الى كلام من هذا القبيل ، فتسابقوا الى هذا
الكلام لكي يجعلوا فرعون يعبر عما في نفسه ويتخذ الموقف المنسجم مع مشاعره وعواطفه
وفرعونيته.
الطائفة الثالثة في عملية التجزئة الفرعونية
لمجتمع الظلم أولئك الذين عبر عنهم الامام علي عليه الصلاة والسلام « بالهمج
الرعاع » جماعة هم مجرد آلات مستسلمة للظلم ، لا تحس بالظلم لا تدرك انها مظلومة
ولا تدرك ان في المجتمع ظلما ، هي آلات تتحرك تحركا آليا ، تحركا يشبه التحرك
الميكانيكي للآلة ، تحرك التبعية والطاعة دون تدبير ، دون وعي ، سلب فرعون منها
تدبرها ، عقلها ، وعيها ، ربط يدها به لا عقلها به ، ولهذا فهي تحرك يدها تحريكا
آليا وتستسلم للاوامر ، للاوامر الفرعونية دون أن تناقشها حتى دون ان تتدبرها ،
حتى بينها وبين نفسها لا بينها وبين الآخرين ، هذه الفئة طبعا تفقد كل قدرة على
الابداع البشري في مجال التعامل مع الطبيعة ، تفقد كل قابليات النمو لانها تحولت
الى آلات ، اذا وجد أن هناك ابداع في هذه الفئة انما هو ابداع من يحرك هذه الآلات
، ابداع تلك الفرعونية التي تحرك هذه الآلات ، وأما هذه الفئة فلم تعد أناسا وبشرا
يفكرون ويتدبرون لكي يستطيعوا أن يحققوا لونا من الابداع على هذه الساحة.
قال الله
سبحانه وتعالى « وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا » (الأحزاب/67) لا يوجد في كلام
هؤلاء ما يشعر بأنهم كانوا يحسون بالظلم أو
كانوا يحسون بأنهم مظلومون ، وانما هو مجرد طاعة ، مجرد تبعية ، هؤلاء هم القسم
الثالث في تقسيم مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام حينما قال « الناس
ثلاثة : عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق ».
وهذا
القسم الثالث يشكل مشكلة بالنسبة الى أي مجتمع صالح وبقدر ما يمكن للمجتمع الصالح
أن يستأصل هذا القسم الثالث بتحويله الى القسم الثاني ، بتحويله الى متعلم على
سبيل النجاة على حد تعبير الامام ، الى تابع باحسان على حد تعبير القرآن ، الى
مقلد بوعي وتبصر على حد تعبير الفقه ، بقدر ما يمكن تحويل هذا القسم الثالث الى
القسم الثاني يمكن للمجتمع الصالح أن يستمر وأن يمتد ولهذا كان من ضرورات المجتمع
الصالح في نظر الامام عليه الصلاة والسلام هو شجب هذا القسم الثالث ، هؤلاء همج ،
رعاع ينعقون مع كل ناعق ليس لهم عقل مستقل ، وارادة مستقلة. كان الامام (ع) يرى ان
هذا القسم الثالث يجب تصفيته من المجتمع الصالح ، ذلك لا بالقضاء عليه فرديا ، بل
بتحويله الى القسم الثاني ضمن أحد الصيغ الثلاثة التي ذكرناها ، لكي يستطيع
المجتمع الصالح أن يواصل ابداعه ، ولكي يستطيع كل أفراد المجتمع الصالح ، ان
يشكلوا مشاركة حقيقية في مسيرة الابداع.
وخلافا لذلك الفرعونية ، الفرعونية تحاول
ان توسع من هذا القسم الثالث ، هؤلاء الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق تحاول
الفرعونية ان توسع منهم وكلما توسعت هذه الفئة اكثر فأكثر قدمت المجتمع نحو الدمار
خطوة بعد خطوة لان هذه الفئة لا تستطيع بوجه من الوجوه ان تدافع عن المجتمع اذا
حلت كارثة في الداخل أو طرأت كارثة من الخارج ، فكلما توسعت هذه الفئة ، هذا القسم
الثالث ، هؤلاء الذين ينعقون مع كل ناعق ، كلما توسعوا في المجتمع ازداد خطر فناء
المجتمع وبهذا تموت المجتمعات موتا طبيعيا. مفهوم الموت لدى القرآن للمجتمعات
وللاقوام وللامم الموت الطبيعي للمجتمع لا الموت المخروم. المجتمع له موتان : موت
طبيعي وموت مخروم. الموت الطبيعي للمجتمع يكون عن طريق توسع هذه الفئة الثالثة
وازديادها نوعيا وعدديا في المجتمع الى ان تحل الكارثة فينهار المجتمع. هذه
الطائفة الثالثة في عملية التجزئة الفرعونية
أما الطائفة الرابعة : هم اولئك الذين
يستنكرون الظلم في أنفسهم ، اولئك الذين لم يفقدوا لبهم أمام فرعون والفرعونية فهم
يستكنرون الظلم لكنهم يهادنونه ويسكتون عنه فيعيشون حالة التوتر والقلق في أنفسهم وهذه
الحالة ، حالة التوتر والقلق أبعد ما تكون عن حالة تسمح للانسان بالابداع والتجديد
والنمو على ساحة علاقات الانسان مع الطبيعة.
هؤلاء يسميهم القرآن الكريم «ظالمي انفسهم » ، قال الله سبحانه
وتعالى « الذين تتوفاهم
الملائكة ظالمي أنفسهم ، قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض ، قالوا ألم
تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها » (النساء/97) هؤلاء لم يظلموا الاخرين ، ليسوا من
الظالمين المستضعفين كالطائفة الاولى ، وليسوا من الحاشية المتملقين ، وليسوا أيضا
من الهمج الرعاع الذين فقدوا لبهم بل بالعكس هم يشعرون بأنهم مستضعفون. «قالوا كنا مستضعفين في
الارض » هؤلاء لم يفقدوا لبهم ، يدركون واقعهم ولكنهم كانوا عمليا
مهادنين ولهذا عبر عنهم القرآن بأنهم ظلموا أنفسهم هذه الطائفة هل يترقب منها أن
تساعد بابداع حقيقي في مجال علاقات الانسان مع الطبيعة؟ طبعا كلا
الطائفة الخامسة
في عملية التجزئة الفرعونية للمجتمع هي : الطائفة التي تتهرب من مسرح الحياة ،
تبتعد عن المسرح وتتهرب منه وتترهب. وهذه الرهبانية موجودة في كل مجتمعات الظلم
على مر التاريخ وهي تتخذ صيغتين:
الأولى صيغة جادة
، رهبانية جادة تريد ان تفر بنفسها لكي لا تتلوث بأوحال المجتمع ، هذه الرهبانية
الجادة التي عبر عنها القرآن الكريم بقوله « ورهبانية ابتدعوها » (الحديد/27) هذه الرهبانية
يشجبها الاسلام لانها موقف سلبي تجاه مسؤولية خلافة الانسان على الارض. وهناك صيغة
مفتعلة للرهبانية ، يترهب ويلبس مسوح الرهبان ولكنه ليس راهبا في اعماق نفسه ،
وانما يريد بذلك ان يخدر الناس ويشغلهم عن فرعون وظلم فرعون ويسطو عليهم نفسيا
وروحيا. وهذا هو الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله « إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال
الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله » (التوبة/34)
الجماعة السادسة والاخيرة في عملية
التجزئة الفرعونية للمجتمع هم : المستضعفون. الفرعونية حينما جزأت المجتمع الى
طوائف ، فرعون حينما اتخذ من قومه شيعا استضعف طائفة معينة منهم خصها بالاستضعاف
والاذلال وهدر الكرامة لانها كانت هي الطائفة التي يتوسم ان تشكل اطارا للتحرك ضده
ولهذا استضعفها بالذات. « وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ، يذبحون ابناءكم
ويستحييون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم » (البقرة/49)
هذه هي الطائفة
السادسة وقد علمنا القرآن الكريم ضمن سنة من سنن التاريخ ايضا ان موقع اي طائفة في
التركيب الفرعوني لمجتمع الظلم يتناسب عكسا مع موقعه بعد انحسار الظلم ، وهذا معنى
قوله سبحانه وتعالى « ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض فنجعلهم ائمة
ونجعلهم الوارثين » (القصص/5).
تلك الطائفة السادسة التي كانت هي منحدر التركيب يريد الله
سبحانه وتعالى ان يجعلهم ائمة ويجعلنم الوارثين وهذه علاقة اخرى وسنة تاريخية اخرى
يأتي الحديث عنها ان شاء الله تعالى ، اذن فإلى هنا استخلصنا هذه الحقيقة وهي : ان
المجتمع يتناسب مدى الظلم فيه تناسبا عكسيا مع ازدهار علاقات الانسان مع الطبيعة ،
ويتناسب مدى العدل فيه تناسبا طرديا مع ازدهار علاقات الانسان مع الطبيعة. مجتمع
الفرعونية المجزأ المشتت مهدور القابليات والطاقات والامكانيات ومن هنا تحبس
السماء قطرها ، وتمنع الارض بركاتها. واما مجتمع العدل فهو على العكس تماما هو
مجتمع تتوحد فيه كل القابليات وتتساوى فيه كل الفرص والامكانيات هذا المجتمع الذي
تحدثنا الروايات عنه، تحدثنا عنه من خلال ظهور الامام المهدي عليه
الصلاة والسلام ، تحدثنا عما تحتفل به الارض والسماء في ظل الامام المهدي (ع) من
بركات وخيرات وليس ذلك الا لان العدالة دائما وأبدا تتناسب طردا مع ازدهار علاقات
الانسان مع الطبيعة ، هذه العلاقة الثانية بين الخطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق